يبدو أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ما يزال يعيش تحت تأثير “الصفعة السيبرانية” التي تعرض لها قبل أسابيع، ولم يخرج بعد من دوامة الشلل المعلوماتي، رغم ما تم الترويج له من إجراءات ترقيعية وتطمينات بلاغية.
لقد كشفت الأيام الماضية، وبشكل فاضح، أن منظومة CNSS غارقة في الفوضى الرقمية، ولا تملك حتى الحد الأدنى من آليات الحماية أو خطط الاسترداد السيبراني. والدليل؟ عشرات الشكايات التي توصلنا بها من مقاولات ومكاتب دراسات ومستثمرين، يفيدون فيها بعجزهم التام عن استخراج الوثائق الإدارية الأساسية للمشاركة في الصفقات العمومية أو استكمال الملفات التقنية لدى الإدارات.
نحن لا نتحدث هنا عن خدمات ترف أو كماليات إلكترونية، بل عن وثائق إدارية حيوية، مثل الشهادات الجبائية وشواهد الانخراط والتصريحات بالأجور، وهي وثائق ترتبط بمصير آلاف الشركات والمستخدمين، وتؤثر على دوران عجلة الاقتصاد الوطني.
الصدمة ليست في حجم الهجوم السيبراني، بل في حجم العجز المزمن الذي أبانت عنه إدارة الصندوق، وعدم توفرها على أبسط خطط الاستجابة للطوارئ، أو آليات بديلة لضمان استمرارية الخدمات.
هل يعقل أن مؤسسة بهذا الحجم، والتي تشرف على مصالح ملايين الأجراء والمقاولات، تسقط في قبضة هاكر صغير ولا تستطيع النهوض؟
هل يعقل أن تعطل مصالح مقاولات وطنية بملايين الدراهم، فقط لأن النظام المعلوماتي عاجز، والطاقم التقني في سبات، والإدارة تتفرج على انهيار ثقة المستثمرين في الدولة؟
المدير العام الحالي، ومعه كامل طاقمه الإداري، مطالبون بالرحيل فورًا. فكل دقيقة تأخير في معالجة هذا الشلل هي طعنة مباشرة لروح الاستثمار في المغرب، وإهانة لعقلية التحول الرقمي التي ينادي بها جلالة الملك شخصيًا.
كيف يمكن أن نُقنع مستثمرًا أجنبيًا أو محليًا بمناخ أعمال جذاب، ونحن لا نستطيع ضمان استخراج شهادة بسيطة من مؤسسة عمومية من المفترض أنها قلب النظام الاجتماعي للدولة؟
الضمان الاجتماعي تحول من مؤسسة عمومية إلى عبء إداري، يستهلك الميزانية والوقت، ويُفسد مناخ الأعمال بدل أن يحميه.
المطلوب اليوم ليس ترقيع أنظمة ولا تسويق بلاغات تبريرية. المطلوب حساب عسير للمسؤولين عن هذا الفشل، وإعادة هيكلة شاملة للمؤسسة، بقيادة أطر حقيقية، تُدرك أن زمن الأعذار انتهى، وأن من لا يواكب العصر الرقمي، لا يستحق أن يُدبّر الشأن العام.