بقلم : محمد حسيكي
ينسب وجود الإنسان من كينونة حياته إلى الأرض، وهي كوكب مكون من بر أجواؤه حارة من النظام الشمسي، وبحر مياهه حارة من النظام الشمسي، وعذبة من مدار الأرض بالنظام الفضائي .
والانسان إن يتخذ من البر مستقرا لحياته، فإنه يجد فيه الماء العذب لاستمرارها، بينما الكائنات المائية الحية من البحر، تقترب من المدار الشمسي للأرض، لتستمد من أشعة شمسها وعذوبة مائها الحياة .
وهكذا تتكامل الحياة بين البر والبحر من مدار الأرض، كما تتكامل الحياة الإنجابية بين الأجناس الحية، كانت متحركة أم جامدة .
والإنسان من صيرورة حياته المتنقلة، حين بدأ يفكر في التنقل الآلي بين جهة وأخرى من سطح الأرض، شرع له من شبكات بدأها بالانطلاقة من الوسط المائي، وهو المادة التي يرتوي منها، ويستحم، كما يستجم،،، ويسبح فيه، كما يركب منه النهر والبحر، من شجر الغاب، الذي يصنع منه ويمتطي القارب .
ومن ثمة اتخذ الإنسان أول آلة يدوية من صنع اليد للنقل يركب منها على سطح الماء، يديرها يدويا بالمجداف الخشبي برا، وبالشراع والزمام بحرا، تجري بالرياح المتوسطية من السطح البحري المتوسط الذي كان ملتقى التجارة القارية والحضارات البشرية الأفريقية والأوروبية والآسيوية .
ومن ملتقى التجارة بين القارات، كان شق القناة بين البحر الأبيض المتوسط ، الذي يرمز إلى عمل الإنسان الأوربي، والبحر الأحمر الذي يرمز إلى وفاق الإنسان الآسيوي والافريقي، بينما بحر النيل الأزرق والأبيض عذب زلال، كبياض الأجواء من زرقة الفضاء
وينسب النقل عبر القوارب البحرية الشراعية، أول عبور نحو الفضاء باستعمال الطاقة الريحية، والبوصلة كقبلة فضائية بالمجال البحري .
وعهد التعدين، وظهور الفحم الحجري كمولد للطاقة الحرارية التي تحرك الآلة، ظهرت من البوابة الصناعية المراكب البخارية، التي تشتغل بالوقود الطاقي من محروقات الفحم الحجري، الذي رفع من سرعة المراكب البحرية وقدرتها التحملية من الأوزان المحمولة .
وبعد ان تحول نقل السلع التجارية والمواد المعدنية إلى المراكب والسفن البخارية، تحولت مراكب الطاقة الريحية إلى مراكب سفريات ترفيهية وجولات بحرية، ورحلات للحج .
غير أن ما ألفت انتباه الإنسان من وقته، أن عرف مراكب الطاقة الريحية، كونها هادئة وغير صاخبة من حركة السير، بينما مراكب الطاقة البخارية صاخبة وملتهبة، من الاحتراق الذي يقذف بالدخان، إلى أن صارت الألسنة تنطق من رؤيته بعرض البحر : راه يدخن..زز راه يدخن، حين ينطلق من المراسي البحرية، أو يقبل على الرسو من المرافئ الشاطئية .
وحين ازدهرت تجارة البشرية عن طريق البحر، وتقوت صلاتها وعلاقاتها التبادلية، اتسعت معارفها العلمية والصناعية التي رفعت عملها من مجال إلى مجال، تجلى في اكتساح الفضاء من بوابة الطيران، الذي بدأ شراعيا، ثم تطور بالوقود إلى التحليق في الأجواء البرية والبحرية وصولا إلى المناطق القارية، وتطورت العلوم من الطبقات الجيولوجية، إلى التضاريس الطبيعية، ثم الأجواء البرية والبحرية .
ومن البرية ظهرت في عهد الأبحاث المعدنية أول آلية للنقل البري تربط البر بالشاطئ البحري، في شكل القطار السككي، الذي يسير على خطين سككيين متوازيين، فى شكل سلسلة للنقل مترابطة العربات، تجرها قاطرة قمرة القيادة ذات القوة التشغيلية بالطاقة البخارية، التي تنفث الدخان في الأجواء مع ضجيج المحرك الصاخب الحركة، وضربات الرياح من السرعة بالعربات المقطورة .
وعهد الكهربة، تم تزويد السكك الحديدية بالأعمدة والخطوط الكهربائية، وتحولت القطارات إلى الاشتغال بالطاقة الكهربائية، ذات التيار العالي، فارتفعت سرعتها وتميزت هيكلتها بين سعة الركاب، وحاويات حمولة البضاعة، كما تحسنت خدمات أطقمها وحراس عربتها، وأضحت متعة للسفر والراحة، إلى جانب نقل السلع والبضائع بين الموانئ البحرية والوجهات البرية .
ومن النقل السككي عبر المدن، اقتدت الأوساط الحضرية الكبرى، للحد من الاكتضاض المروري على الشوارع من أوقات العمل بإدخال النقل السككي بين أحيائها عبر عربات الترام الذي يسير على سكة منخفضة سليمة وآمنة الحركة من الوسط الحضري . .
وأمام سرعة الآلة والزمان الذي يشتغل فيه الانسان، ظهر القطار السريع الخاص بنقل الركاب المسافرين بين المدن والمطارات، لفك العزلة عن المناطق خارج المدار الحضري، وأصبحت حركة القطارات مسترسلة بين ساعة وأخرى، مما شكل ضغطا من الحركة التشغيلية على السكك الشيء الذي جعل الحاجة المتزايدة تدعو إلى إحداث قطارات مكوكية، ذات سكة خاصة، وسرعة مضاعفة، والحاجة إلى محطات مميزة .
ومن هذا التطور في العمل السككي من خدمات النقل بالمجتمعات الحديثة، انخرط المغرب في النظام السككي الجديد، على عهد الملك محمد السادس، الذي انطلق بالخط السككي فائق السرعة الخاص بالركاب من طنجة، إلى الدار البيضاء، ثم من القنيطرة إلى مراكش .
ولا غرو من الربط السككي بين المغرب وإسبانيا في إطار الربط القاري بين إفريقيا وأوروبا .
وهكذا تدرجت وتطورت آليات النقل في الحياة البشرية، من النهر إلى البحر، ثم البر، ومن منطاد التحليق بالأجواء، إلى السياحة بالفضاء، في إطلالة من المدار الشمسي على المدار الفضائي .