بحث: محمد عزت علي الشريف
لا جَدوَى في حكومةٍ لا تَعلَم أيّ جدوى لدراساتِ الجدوى!.
لقد صُدِمتُ من تصريح أكبر مسئول عن الملف الاقتصادي لواحدة من أكبر الدول في الشرق الأوسط من العالم، وهو يكشف لنا عن سر إبداعات حكومته التي أنجزت غالبية مشروعاتها الكبيرة – على حدّ قوله – دون الرجوع إلى أيّ دراساتٍ للجدوى الاقتصادية!.
ويعلن مُتباهياً أنهم لو كانوا يعتمدون على دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات كما يفعل الآخرون ما كانوا أقدموا على تنفيذ كل تلك المشروعات من الأساس، وفي زمنٍ قياسيّ أقل مما ينبغي حسب ما تحدده الدراسات!.
إن هذه السيولة وعدم المسئولية في إطلاق مثل تلك التصريحات ” الهمايونية” يجعلنا مضطرين إلى إعادة النظر ليس فقط في حكوماتنا ومستوى مسئولي الملفات الاقتصادية فيها فحسب، بل يدفعنا لإعادة النظر في مفهومنا الجمعي العام لمصطلح دراسات الجدوى الاقتصادية.
ومن هنا كان موضوع بحثنا هذا الذي قصدنا منه توضيح معنى مصطلح دراسات الجدوى الاقتصادية، بأسلوبٍ مُبسَّطٍ ويسيرٍ يتسنّى فهمُه حتى لغير المتخصصين.
إذن، لتبسيط معنى هذا المصطلح سنَعمَد إلى تفكيكه لغوياً لثلاثِ كلماتٍ يتكوَّن منهن المصطلح: (جدوى/ اقتصاد/ دراسات).
الجدوى: مفردةٌ تعني في اللسان العربي “النفع”.
والاقتصاد: يمكنني تعريفه هنا بشكل بسيط ومختصر بأنه ” الحصول على أفضل مردود بأقل الموارد والجهود”.
وإلى هنا يصح لنا أن نقول أن الجدوى الاقتصادية تعني: تعظيم النفع.
والتَوَصُّل للبديل الأنسب الذي يحقق لنا تعظيم ذلك النفع لا يتأتى إلا من خلال مجموعة إجراءات تبدأ بالدراسات.
والدراسة: يمكنني تعريفها هنا استناداً لقواميس العربية بأنها ” تذليل الشيء لفهمه وتحليله والإفادة منه”. وهنا يكون قد اكتمل لدينا التعريف العام المبسط لمصطلح دراسات الجدوى الاقتصادية والذي لا يختلف عن المصطلح الأكاديمي الذي يعني: ” مجموعة الاجراءات التي نقوم بها من أجل تحديد أيّ الخيارات التي يُتَوَخّى منها تعظيم النفع للفكرة أو للمشروع الذي نحن بصدد تنفيذه”.
الهدف من دراسات الجدوى:
إن جوهر الهدف عموماً هو في: المفاضلة بين النظائر التنافسية. و تختلف نتائج المفاضلة تلك تبعاً للمعايير المعتمدة للحكم على مدى أفضلية تلك النظائر. و نجاح عملية المفاضلة إنما يعتمد بالأساس على المعيار المعتمد للمفاضلة.
معايير المفاضلة من أهمها:
– معيار صلاحية الفكرة.
– معيار التكلفة والعائد.
– معيار الأهداف المتوخّاة.
اختيار معايير المفاضلة:
إن مهارة صاحب المشروع هنا سواء كان من الحكومة أو من القطاع الخاص هي في صحة اختيار المعيار الذي على أساسه نفاضل بين النظائر أو البدائل.
واختيار المعيار المعتمد للمفاضلة في حالة الأفراد أو الشركات الاستثمارية يختلف عنه في حالة المؤسسات الخيرية او الحكومية:
– ففي حالة الأفراد أو الشركات الاستثمارية الخاصة يكون المعيار المقبول هو معيار “التكلفة والعائد” ويكون الهدف دوماً هو في تحقيق أعلى عائد مادي بأقل التكاليف الممكنة.
– أما في حالة المؤسسات الخيرية أو الجمعيات الشرعية فإن المعيار المقبول لن يكون هو تحقيق أكبر عائد مادي على وجه الحصر ، بل تقديم أجود و أكبر الخدمات لمحتاجيها من الأفراد و الجماعات. – اما في حالة المؤسسات الحكومية فإن معيار المفاضلة بين البدائل هو معيار الهدف، و هذا عادة ما يتطلب دراسات مستفيضة. فقد لا يكون الهدف من إقامة المشروع هدفاّ مادياً، و قد لا يكون خيرياً، بل قد يكون سياسياً، او معنوياً، أو تنموياً، أو تربوياً، أو بيئياً.. إلخ. فإن كانت الحكومات لا تَعي ذلك فهذا ضلالٌ، و إنْ كانت تعيه ولا تعمل به فذلك هو الفساد!.
فالحكومات الرشيدة لا يكون دورها، ولا هدفها الأساسي في المجتمع هو في كسب الأموال وجبايتها فحسْب، و إنما دورها في رعاية الوطن أفراداً ومؤسساتٍ رعايةً كاملة. و من الأهمية بمكان مراعاة ألا تتضارب مشروعات الحكومة مع مشروعات القطاع الخاص، بل وألا تتقاطع مع السياسات العامة للحكومة نفسها .
إنّ دراسات الجدوى الاقتصادية التي يجب أن تقوم بها أيّ حكومة وهي بصدد إقامة مشروع ما إنّما هي بحرٌ مُتّسِعٌ لا يمكن الإحاطة به في مثل مقامنا هذا.
وإنّ ما نود أنْ نؤكد عليه عند هذا الحدّ أن إنكار أهمية دراسات الجدوى الاقتصادية لا يتأتّى إلّا من أُناسٍ بدائيين لم يُدرِكوا (أو يُدركهم) عصر الاقتصاد و لم ينالوا حظاً من البحث و الدراسات، وبالمحصلةً فلا جدوى البَتّةَ مما مضى منهم، ولا جدوى ممّا هو آت.
أديب وكاتب رأي مصري