صراع وزير العدل عبد اللطيف وهبي مع المحامين .. جذور الأزمة ومآلاتها

يشهد المشهد القضائي في المغرب توتراً غير مسبوق بين وزير العدل عبد اللطيف وهبي وممثلي هيئات المحامين في البلاد. وقد أثار هذا النزاع سلسلة من ردود الفعل الواسعة داخل الساحة الحقوقية والسياسية، حيث تعكس أبعاده تعقيدات العلاقة بين السلطة التنفيذية والهيئات المهنية، في ظل تحديات إصلاح المنظومة القضائية.

يرجع التوتر إلى مقترحات وتعديلات قانونية بادر بها وزير العدل ضمن جهود إصلاح قطاع العدالة في البلاد. وتتعلق أبرز هذه التعديلات بشروط واجبات الاشتراك، ومعايير مزاولة مهنة المحاماة، والمقتضيات الضريبية الجديدة التي فرضتها الحكومة على المحامين. هذه الإجراءات أثارت حفيظة المحامين الذين اعتبروا أن بعض التدابير المجددة تهدد استقلالية المهنة وتحد من دورها كأحد أركان العدالة.

إحدى النقاط الأكثر جدلاً كانت فرض رسوم ضريبية فورية على الملفات المعالجة لدى المحامين، وهو ما رآه هؤلاء أنه يزيد الأعباء المالية عليهم ويضعف قدرتهم على ممارسة مهنتهم في استقلالية. من جانبه، دافع وزير العدل وهبي عن هذه التدابير بأنها تأتي في إطار إصلاح شمولي يهدف إلى تحديث القطاع وتنظيمه بشكل يتماشى مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.

رداً على هذه التدابير، قامت جمعيات وهيئات المحامين بتنظيم سلسلة من الإضرابات والوقفات الاحتجاجية، حيث اعتبر المحامون أن هذا النوع من الإصلاحات يتم إقراره بشكل أحادي ودون استشارة موسعة مع ممثليهم. وقد شمل التصعيد تعليق العمل في المحاكم وتقديم عرائض وشكاوى لدى الجهات المعنية للتعبير عن رفضهم الشديد لما وصفوه بسياسات تستهدف استقلالهم وحقوقهم المهنية.

وفي هذا السياق، تتجه هيئات المحامين إلى التصعيد والتعبير عن امتعاضهم العميق مما يصفونه بـ”الوصاية” على المهنة، حيث يطالبون وزير العدل بتبني مقاربة تشاركية تتيح لممثليهم الإسهام في رسم مستقبل المهنة. وبرز هذا الصراع على نحو أوضح مع التصريحات المتبادلة التي تعكس اتساع الهوة بين الطرفين وغياب أرضية توافقية.

لا يمكن فصل الخلاف القائم بين وزير العدل وهيئات المحامين عن السياق العام للتغيرات السياسية والاجتماعية في المغرب. فقد باتت مسألة إصلاح القضاء جزءاً من البرنامج الحكومي الرامي إلى تعزيز دولة القانون وتحسين جودة العدالة، لكن بعض المتابعين يرون أن إدارة هذا الإصلاح تواجه تحديات، خصوصاً في ظل تعقيدات المصالح المهنية وخصوصياتها.

ويرى محللون أن هذا النزاع يعكس توترات أعمق مرتبطة بتحولات المجتمع المغربي وتنامي الوعي الحقوقي لدى المحامين كفئة مؤثرة. كما يعكس كذلك تزايد المطالب الاجتماعية بإصلاح جذري في منظومة العدالة، في الوقت الذي يطمح فيه المحامون إلى تحسين ظروف عملهم وتعزيز استقلالية المهنة بعيدا عن تدخلات قد يرونها غير مبررة.

يبقى التساؤل الأبرز: هل ستتخذ الحكومة المغربية خطوات نحو التهدئة مع هيئات المحامين؟ أم أن النزاع سيتفاقم مع ما قد يحمله من تداعيات على سير العمل القضائي؟

التسوية ممكنة إذا ما تم تبني حوار جاد بين الطرفين. فالحكومة بحاجة إلى الشراكة مع المحامين لضمان نجاح الإصلاحات القضائية، بينما يدرك المحامون أن تعاونهم قد يسهم في تحسين صورة العدالة بالمغرب. ولكن يبقى الرهان على تحقيق توازن يضمن حقوق المحامين ويحقق في ذات الوقت طموحات الإصلاح التي تتطلع إليها الحكومة.

 

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني