ترقية أساتيذ التعليم العالي: دعوة الوزارة إلى تغليب منطق الإنصاف على منطق التضييق

الدكتور محمد محاسن

لازال موضوع الترقية محط توجس وارتياب شديدين في صفوف أساتيذ التعليم العالي وخاصة المتواجدين منهم في الرتبة 4 من الدرجة ج. فبعد طول انتظار لما سيسفر عنه اجتماع الوزارة مع الكتاب العامين ورؤساء مصالح الموارد البشرية بالجامعات يوم الثلاثاء المنصرم 19 نونبر 2024 بهدف إيجاد طريقة لتوحيد سبل التعامل مع تلك الترقية التي تعد الأولى من نوعها بعد صدور النظام الأساس للأساتيذ الباحثين في 02 أغسطس 2023، ونظرا لاتفاق الوزارة مع النقابات على تعديل المادة 9 منه حفاظا على المكتسبات، وهو الاتفاق الذي لم يفرج عنه بعد والذي يطرح تطبيقه مشكلا متعلقا بمصداقية الوزارة التي تمر عبر وفائها بالتزاماتها من جهة واستحالة تطبيقه قبل أن يصادق عليه مجلس الحكومة وينشر في الجريدة الرسمية، مما يجعل من مراسلة الكاتب العام للوزارة تحت عدد 2-10 780 بتاريخ 23 نونبر 2024 عملية ارتجالية كانت الجامعة في غنى عنها، ويجعل من محاولة التوفيق بين فحواها المستند على المادة 9 والتعديل الموعود أمرا سيزيد من حدة ذلك الارتجال ويوقع الوزارة والجامعات ومؤسساتها في خروقات قانونية و أخطاء فادحة بدرجات مختلفة من أنواع الحيف انتبه إليها الجسد الجامعي وعبر الأساتيذ المعنيون عن استيائهم من الطريقة وتحذيرهم من تبعاتها.
لقد أنهي إلى علمنا -من مصادر نقابية- أن الوزارة “خلال اللقاء المنعقد يومه الثلاثاء 19 نونبر 2024 بوزارة التعليم العالي بحضور الكتاب العامين للجامعات ورؤساء مصالح مواردها البشرية:
– أعطت تعليمات كي تعتمد اللجان العلمية تعديل المادة 9 في ترقية الاساتذة الباحثين .
– كما أكدت على أن مرسوم التعديل سيصدر قريبا في الأيام المقبلة، وربما سيعرض على أنظار المجلس الحكومي يوم الخميس المقبل( 21 نونبر 2024)”!
أما بالنسبة للنقطة الأولى فإن الأمر يبدو محمودا إذ يعبر عن نية الوزارة الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بتعديل المادة 9، ما يعني اعتماد 8 سنوات في الترقي من درجة إلى أخرى بدلا من 9 سنوات وإن كان الأمر لازال غامضا، حيث إن نص المرسوم التعديلي غير متاح ولا متداول بين الأساتيذ الباحثين الذين حرموا من حقهم في معرفة تفاصيلها للتمكن من تدبير مسألة ترقيتهم، وهو أيضا غير متاح لدى مصالح الموارد البشرية حتى تتمكن من أداء مهمتها بكل شفافية، ولا لدى الهيئات العلمية لكي تعتمده في دراسة الملفات، بل ولا النقابات التي تتملص من تسليمه للقواعد بدعوى عدم توفرها على النسخة النهائية وعدم معرفتها بتفاصيله. أمور تطرح أكثر من تساؤل مشروع حول دواعي هذا الارتباك غير المسبوق وأسباب هذا التكتم المريب.
ولعل أهم سؤال يمكن طرحه أمام هذا الواقع المؤسف هو: كيف يعقل أن ينخرط الجميع في المطالبة بتطبيق تعديل لا علم لهم بتفاصيله؟ وكيف يمكن مطالبة الجامعات بتطبيق تعديل لاعلم لهيئة التدريس بمحتواه ولم تتوصل مصالحها بنصه ولم يصدر في الجريدة الرسمية؟
إن ما يحدث يعتبر استخفافا بهيئة التدريس وبأسمى أطرها درجة وهم أساتيذ التعليم العالي في الرتبة 4 من الدرجة ج وهم الأكثر تضررا وعرضة للحيف.
هذا فيما يتعلق بالجانب الوارد علينا من مصادر نقابية بصورة رسمية، بيد إن ما يزيد الطين بله هو ذلك المتعلق بالتوصيات المصاحبة التي لم ترد في بيان ولكن عبر التسريبات المحذرة؛ فمن أجل ذلك لن نقدم على عرضها في هذا المقال، غير أن ذلك لن يمنعنا من التنبيه إلى الأمور التالية عسى أن تكون للوزارة أذن صاغية فتتعامل معها بما يلزم من جدية :
# حيث إن الأمر يتعلق بأول ترقي وفقا للنظام الأساس الجديد الذي أقر لأول مرة الدرجة د في إطار أستاذ التعليم العالي وتخلى عن الرتبة 5 من الدرجة ج التي طبعت النظام السابق، فإن المشكل يكمن أساسا في ترقي أساتيذ التعليم العالي المتواجدين في الرتبة 4 من الدرجة ج بأقدميتهم ما بين أقل من سنة وسنتين كاملتين في حدود 30 دجنبر 2023.
# ينبغي على الوزارة إقرار طريقة استثنائية لترقية كل هؤلاء بما يحفظ حقهم في الترقي منذ استكمالهم 6 سنوات في الدرجة ج انسجاما مع مقتضيات المادة 9 بما فيها المعدلة، ولا نرى من سبيل لتحقيق ذلك إلا الابتعاد عن الحسابات الضيقة وتغليب منطق مصلحة الأستاذ على منطق التضييق عبر الحيلولة أمام الترقي قبل استكمال 8 سنوات.
# الترقية المباشرة إلى الدرجة د الرتبة 1 لكل أساتيذ التعليم العالي المتواجدين في الرتبة 4 من الدرجة ج دون تجزيء، مع الاحتفاظ بأقدميتهم في الرتبة 4 من الدرجة ج، وهو ما سيجنب التمييز بينهم ويبعدهم عن التباري مع زملائهم الأقل أقدمية منهم إنصافا لهم، وهو أكثر عدلا وحفاظا على أقدميتهم المكتسبة في الدرجة والرتبة.
# الترقية عبر الانتقاء في حدود 40٪ للمرتبين منهم في الرتبة 3 من الدرجة المستوفين لسنتين كاملتين في 30 دجنبر 2023 كما ينص على ذلك النظام الأساس في مادته 9 حيث إن وضعية هؤلاء لا تطرح أية إشكالية كما أن حقوقهم تبقى مصونة وفق مقتضيات القانون.
ما يعني أن الترقية إلى الدرجة د بالنسبة لفئة أساتيذ التعليم العالي ينبغي أن يتم على الوتيرتين المذكورتين أعلاه وليس غيرهما.
إنها مساهمة تروم إقرار جو الثقة ووضع حد لإهدار طاقات كل المعنيين والمتدخلين وتجنب تنفيذ قرارات محجفة غير صائبة لن تفرز سوى الاستياء والتذمر الذي قد يقود إلى عواقب غير محمودة تبقى الجامعة والجامعيون في غنى عنها.
الدكتور محمد محاسن


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني