تفكيك “خلية الأشقاء الثلاثة”.. قراءة في الأبعاد الأمنية لتنامي التطرف العائلي بالمغرب

 

كشف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، اليوم الخميس، عن تفاصيل العملية الأمنية النوعية التي نجحت في إحباط مخطط إرهابي وشيك كان في مرحلة التحضير للتنفيذ العملي. العملية، التي نُفذت بحد السوالم وبرشيد، استهدفت خلية أُطلق عليها اسم “خلية الأشقاء الثلاثة”، وهو ما يفتح نقاشًا أعمق حول تنامي الاستقطاب العائلي في الفكر المتطرف، وتحول “التجنيد الأسري” إلى وسيلة جديدة لتنظيم داعش لاستقطاب الأفراد.

من الاستقطاب الفردي إلى الاستقطاب العائلي.. تهديد جديد

في استعراضه لتفاصيل العملية، شدد حبوب الشرقاوي، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، على أن الخطورة الحقيقية لهذه الخلية لا تكمن فقط في تقدمها في مراحل التخطيط لعمليات إرهابية، ولكن أيضًا في طبيعة أعضائها، حيث تجمع بين ثلاثة أشقاء وشخص رابع، وهو ما يعكس تحوّلًا خطيرًا في طرق الاستقطاب والتجنيد.

تنظيم داعش، الذي لطالما اعتمد على استقطاب الأفراد المعزولين أو تجنيد الشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يبدو أنه بدأ في توجيه استراتيجيته نحو اختراق النسيج الأسري. هذا التحول يُسهّل نشر الأفكار المتطرفة داخل بيئة مغلقة ومترابطة، حيث يكون التأثير العاطفي والاجتماعي للعائلة عاملاً حاسماً في إقناع الأفراد بالانضمام إلى الفكر الإرهابي.

تفاصيل المخطط الإرهابي.. مرحلة متقدمة من التنفيذ

التحقيقات الأمنية كشفت أن “خلية الأشقاء الثلاثة” لم تكن مجرد مجموعة متأثرة بخطاب متطرف، بل كانت قد بلغت مرحلة متقدمة من التخطيط. أفراد الخلية قاموا بتصوير مقاطع فيديو يعلنون فيها بيعتهم المزعومة لـ”أمير” التنظيم، كما أعدوا تصاميم تقريبية للأماكن المستهدفة، ودرسوا ممرات الهروب المفترضة بعد تنفيذ عمليات التفجير المخطط لها.

مثل هذه التفاصيل تعكس أن التنظيمات الإرهابية لم تتوقف عن تطوير تكتيكاتها، وأنها باتت تعتمد على خلايا نائمة داخل المجتمعات، تنشط بصمت وتُحضّر لعمليات نوعية قبل أن يتم رصدها وإيقافها.

المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية للخلية

أشار الشرقاوي إلى أن أفراد الخلية يتميزون بمستوى دراسي متدنٍّ، ويمتهنون مهنًا متواضعة وغير مستقرة. هذا المعطى ينسجم مع الاتجاهات العامة التي سجلتها أجهزة الاستخبارات العالمية، والتي تؤكد أن الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية تظلّ عاملاً رئيسيًا في تجنيد الشباب في الجماعات الإرهابية.

المثير للاهتمام، وفق ذات المصدر، أن اثنين من أفراد الخلية متزوجان، مما يعيد إلى الواجهة ظاهرة “الخلايا العائلية”، حيث لا يقتصر الانحراف الأيديولوجي على الأفراد، بل يتحول إلى قناعة تُزرع داخل الأسرة الواحدة، ما يعقد جهود مكافحة التطرف ويزيد من صعوبة التفكيك المبكر لهذه الشبكات.

التحديات الأمنية أمام المغرب.. بين اليقظة المستمرة والاستراتيجيات الاستباقية

المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي قاد هذه العملية، أظهر مرة أخرى كفاءة الأجهزة الأمنية المغربية في التعامل مع التهديدات الإرهابية بطريقة استباقية، مستفيدًا من رصد المعلومات الاستخباراتية وتحليل الأنماط السلوكية للمشتبه بهم قبل انتقالهم إلى مرحلة التنفيذ.

غير أن التحدي الأكبر يتمثل اليوم في مواجهة الظواهر الجديدة، مثل تحول الأسر إلى وحدات مُنغلقة تحتضن الفكر المتطرف. وهذا يتطلب استراتيجيات متعددة، لا تقتصر فقط على التدخلات الأمنية، بل تشمل أيضًا برامج وقائية تهدف إلى تعزيز المناعة الفكرية لدى العائلات، وإعادة تأهيل الأفراد الذين يظهر عليهم بوادر التشدد قبل أن يتحولوا إلى قنابل موقوتة.

التعاون الأمني والاستخباراتي.. مفتاح المواجهة المستقبلية

لم تكن هذه العملية معزولة عن الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، حيث بات المغرب شريكًا استراتيجيًا في المنظومة الأمنية الإقليمية والعالمية. ومع تصاعد تهديدات “الذئاب المنفردة” والخلايا الصغيرة، يصبح التعاون بين الأجهزة الأمنية المغربية ونظيراتها الأوروبية والأمريكية أكثر أهمية من أي وقت مضى، خصوصًا أن التنظيمات الإرهابية باتت تستهدف العائلات ككيانات متماسكة يمكن استغلالها لتحقيق أهدافها التخريبية.

ختامًا.. معركة مستمرة ضد الإرهاب في كل تجلياته

ما كشفته عملية “خلية الأشقاء الثلاثة” لا يقتصر فقط على إحباط مخطط إرهابي، بل يفتح الباب أمام نقاش أعمق حول تطور أشكال التطرف، والتحولات الاستراتيجية لتنظيمات الإرهاب العابر للحدود. الأجهزة الأمنية المغربية تظلّ في حالة يقظة مستمرة، لكن نجاح المعركة ضد التطرف لا يقتصر فقط على الرصد الأمني، بل يتطلب كذلك مقاربة شاملة تُعنى بالجانب الاجتماعي والتربوي والاقتصادي، لضمان تحصين المجتمع من مخاطر الفكر الإرهابي وتفكيك جذوره قبل أن تتغلغل أكثر.

 

 

 

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني