محمد الزلاوي باحث جامعي في العلوم السياسية
ثلاث سنوات مرت منذ أن بدأ الصراع المباشر بين روسيا وأوكرانيا. إنها ذكرى مأساوية لحرب تدور رحاها في أوروبا، القارة التي ظننا أنها أصبحت في مأمن من الصراعات المسلحة والدموية. وقد أدت هذه الحرب إلى تقويض وتعطيل النظام العالمي سياسيًا واقتصاديًا. حيت ضربت موجة التضخم والركود اقتصادات عالمية كانت منهكة بسبب تداعيات جائحة كورونا.
وعلى الرغم من أن جذور الخلاف تعود إلى عام 2014، عندما وصفت روسيا الأحداث آنذاك بأنها انقلاب ضد النظام الدستوري الأوكراني، بينما أطلق عليها بعض الأوكرانيون اسم “ثورة الكرامة”، فإن إطاحة وهرب الرئيس فيكتور يانوكوفيتش كان بمثابة الشرارة التي أدت إلى انقسامات ونزاع مسلح ذو عواقب وخيمة ومتعددة.
في البداية، اقتصرت المناطق المتضررة على المناطق الناطقة بالروسية في دونباس، ولكن منذ 24 فبراير 2022، امتدت الحرب لتشمل أوكرانيا بأكملها، وخاصة المناطق الحدودية مع روسيا وبيلاروسيا التي أصبحت كذلك ساحة للصراع. بدون الدخول في تفاصيل الأحداث التي وقعت بين عامي 2014 و2021، سنركز على العام الحاسم 2022، العام الذي شهد اندلاع الصراع المباشر والمسلح بين الدولتين الجارتين.
في 21 فبراير 2022، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراسيم تعترف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين خلال حفل أقيم في الكرملين. بعد ثلاثة أيام، ألقى بوتين خطابًا شرح فيه الأسباب التاريخية والسياسية التي دفعت روسيا للتدخل في أوكرانيا. إن روسيا تتصرف بدافع الأمن القومي في مواجهة توسع الحلف الأطلسي نحو حدودها، بالإضافة إلى واجبها في حماية ومساعدة سكان دونباس الذين يتعرضون لانتهاكات خطيرة من قبل الحكومة الأوكرانية. كما تطرق كذلك في خطابه إلى ما وصفه بانحراف النظام العالمي، الذي يتم فيه استخدام القوة العسكرية والكذب لفرض الهيمنة و طغيان المصالح على المبادئ.
فبحسب بوتين، روسيا أرسلت قواتها لحماية سكان دونباس ولضمان أمنها القومي، لتجنب هجمات محتملة من قبل دول الحلف الأطلسي, مستندا إلى التكلفة الباهظة لتردد الاتحاد السوفيتي سابقا في مواجهة ألمانيا النازية، مما أدى إلى مآسٍ كبرى. وأكد بوتين أن روسيا لن تكرر نفس الخطأ الذي ارتكبه الاتحاد السوفيتي عندما تعرض لهجوم مفاجئ سنة 1941. كما أشار إلى الوعود الغربية غير الموفى بها بعدم توسيع حلف الأطلسي شرقًا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وإعادة توحيد ألمانيا. أكد بوتين أيضًا على الروابط التاريخية والثقافية بين روسيا وشعوب دونباس، الذين يتحدثون الروسية ويشعرون بانتماء قوي لروسيا. واتهم الحكومة الأوكرانية بممارسة سياسة القمع والتمييز ضد الأقليات الناطقة بالروسية، من خلال انتهاك حقوقهم اللغوية والثقافية. وأكد أن روسيا ملزمة بحماية هذه الشعوب، التي عبرت عن رغبتها في الانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا.
ومن هنا نرى أن الرئيس فلاديمير بوتين يتبع السياسة الواقعية القائمة على حسابات القوة والمصلحة الوطنية، مستندًا إلى تجارب الدول التي تم تدميرها سابقًا كليبيا والعراق. ويرى أن المنطق الذي يتبعه الغرب سيؤدي حتمًا إلى صراع مع روسيا على المدى الطويل. هذه الفرضيات يتم أخذها على محمل الجد واستخدمت لتبرير هذه الحرب.
في ضفة الأخرى، يدين الغرب هذا العدوان، معتبرة إياه انتهاكًا خطيرًا للسلام والاستقرار الدوليين. ويعتبر التدخل الروسي خرقًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة، الذي يحظر استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لأي دولة. كما أنه يتعارض مع اتفاقيات مينسك الموقعة سنة 2015، والتي نصت على وقف إطلاق النار وإيجاد حل سياسي للصراع في دونباس. أما الحكومة الأوكرانية، فترى في هذه الحرب تهديدًا وجوديًا لوحدة البلاد وسيادتها. وتتهم روسيا بالسعي إلى إحياء الإمبراطورية السوفيتية وفرض هيمنة استعمارية.
تواجه روسيا عقوبات اقتصادية وسياسية شديدة، بالإضافة إلى مواجهة مع الغرب قد تتصاعد إلى حرب أوسع نطاقًا وأكثر تدميرًا. كما تعاني روسيا من تبعات الحرب الداخلية، مثل التمرد الذي قامت به مجموعة فاغنر، والذي رفع مستوى التوتر داخل الكرملين، بالإضافة إلى الهجمات الأوكرانية المتكررة داخل الأراضي الروسية، مثل الهجوم الذي وقع في كورسك في 6 غشت 2024و الممتد إلى الان.
هذه الحرب لها عواقب مأساوية على جميع الأطراف، وقد تؤدي إلى صراع أوسع نطاقًا. وكما حدث في الحرب العالمية الأولى، حيث أدت شرارة إقليمية إلى حرب عالمية، فإن وجود أسلحة الدمار الشامل لدى روسيا وكذلك لدى حلفاء أوكرانيا يجعل أي تصعيد محتمل كارثة عالمية.
لكن مع وصول ترامب إلى السلطة، بدأنا نشاهد انفراجا في السياسة الأمريكية من خلال التصريحات حول ضرورة السلام ما يؤدي إلى توترات ما بين أوكرانيا وحلفائها الغربيين خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية كما بدى جليا في الحوار ما بين الرئيسين داخل البيت الأبيض. لنا أمل أن ينتهي هذا الصراع نهائيًا، وأن يتوقف سفك الدماء وألا نشهد ذكرى رابعة لهذه الحرب.