لم يعد الحديث عن الأمن شأنا داخليا بحتا، بل بات معادلة دولية تعتمد على شراكات قوية وتنسيق محكم بين الدول. اللقاء الأخير الذي جمع المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، بالمديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية، فرانسيسكا بوستين، يحمل في طياته أبعاداً عميقة تتجاوز البروتوكولات الرسمية، ليعبر عن نموذج متقدم للتعاون الأمني بين المغرب وبلجيكا.
ليس من قبيل المصادفة أن تختار بلجيكا تعزيز تعاونها مع المغرب في هذا الظرف الإقليمي والدولي المضطرب. فمنطقة الساحل جنوب الصحراء، التي باتت بؤرة للتطرف العنيف والجريمة المنظمة، تشكل مصدر قلق أمني مشترك، لا تهدد فقط استقرار دولها، بل تمتد بتداعياتها إلى أوروبا. وهنا يبرز المغرب كشريك موثوق وصانع حلول، بخبرته الطويلة واستراتيجيته الاستباقية في مكافحة الإرهاب.
ما يميز هذا اللقاء ليس فقط طابعه الثنائي، بل أيضاً عمقه الاستراتيجي. إشادة المسؤولة البلجيكية بالمستوى المتقدم للأمن المغربي ليست مجرد مجاملة دبلوماسية، بل تعبير عن ثقة حقيقية في نجاعة النموذج الأمني المغربي، الذي يجمع بين الخبرة الميدانية، التكنولوجيا المتطورة، والقدرة على استيعاب تعقيدات الظاهرة الإرهابية وفهم سياقاتها المحلية والدولية.
لقد أدركت بلجيكا، كما العديد من الدول الأوروبية، أن أمنها الداخلي لا يمكن عزله عن الأمن الإقليمي والدولي. ومن هنا تأتي أهمية المغرب كجسر للتعاون بين الشمال والجنوب، بما يقدمه من معلومات استخباراتية دقيقة وتحليل معمق للتهديدات الناشئة. وهذا ليس وليد اللحظة؛ فالأجهزة الأمنية المغربية، بقيادة عبد اللطيف حموشي، اكتسبت مصداقية دولية كفاعل أساسي في التصدي للإرهاب والجريمة المنظمة، حتى أصبحت مرجعاً في هذا المجال.
لكن هذا اللقاء ليس مجرد محطة أخرى في العلاقات الأمنية الثنائية؛ إنه خطوة على طريق أعمق نحو شراكة استراتيجية أكثر شمولاً. النقاش حول توسيع نطاق التعاون ليشمل تبادل الخبرات والمعلومات، يعكس وعياً مشتركاً بأهمية الرهان على النجاحات الحالية لتطوير آليات أكثر كفاءة في مواجهة التحديات المستقبلية.
وعلى المستوى الدولي، يحمل هذا اللقاء رسالة واضحة: المغرب ليس مجرد شريك أمني فاعل، بل هو لاعب رئيسي في هندسة الأمن العالمي. وهذه المكانة لم تأتِ من فراغ، بل من عقود من العمل الجاد، والرؤية الاستراتيجية التي جعلت من الأجهزة الأمنية المغربية نموذجاً يحتذى به في الجمع بين المهنية العالية والالتزام بالمبادئ الإنسانية والقانونية.
في الختام، يبقى السؤال المهم: هل يمكن لهذا التعاون أن يشكل نموذجاً يحتذى به للتعاون الأمني الدولي؟ الجواب، على ما يبدو، يكمن في التجارب الناجحة التي أثبتت أن التنسيق والتفاهم بين الدول هو السلاح الأهم في مواجهة التهديدات العابرة للحدود. وفي هذا السياق، تظل الشراكة المغربية-البلجيكية عنواناً مشرقاً للتعاون الذي يضع أمن الشعوب واستقرارها في مقدمة الأولويات.