الجزائر ومنصب نائبة رئيس المفوضية الإفريقية.. مكسب شكلي أم محاولة لتعويض الإخفاقات؟

 

في خضم التغيرات التي تشهدها هياكل الاتحاد الإفريقي، حصلت الجزائر على منصب نائبة رئيس المفوضية الإفريقية، وهو منصب إداري في جوهره، لا يمنح تأثيرًا سياسيًا مباشراً على صناعة القرار داخل المنظمة القارية. هذا التطور يطرح تساؤلات حول القيمة الفعلية لهذا المكسب، خصوصًا في ظل تراجع الحضور الجزائري داخل المؤسسات الإفريقية خلال السنوات الأخيرة.

المفوضية الإفريقية تتكون من ثلاثة مناصب قيادية رئيسية: الرئيس، الذي آلت رئاسته في هذه الدورة إلى جيبوتي، والمدير العام الذي فاز به المغرب، فيما كان منصب نائب الرئيس من نصيب الجزائر. هذا المنصب، ورغم كونه يبدو ذا أهمية من الناحية الشكلية، إلا أن دوره يظل محدودًا مقارنة بالمراكز الأخرى التي تحمل صلاحيات أوسع في اتخاذ القرارات الاستراتيجية داخل الاتحاد الإفريقي.

بالعودة إلى سياق الانتخابات، لم يكن التنافس على هذا المنصب ذا طابع صدامي، حيث لم يكن جميع الحلفاء حاضرين خلال التصويت، وهو ما أضعف من حظوظ بعض الدول في تعزيز موقعها داخل الهيئات القيادية للاتحاد. ومع ذلك، فالمغرب لم يترك الفرصة تمر دون خوض المعركة الانتخابية، ليس فقط لمنع الجزائر من تحقيق مكاسب دبلوماسية، بل أيضًا لأن كل موقع داخل الاتحاد الإفريقي، مهما كان تأثيره، يظل ورقة يمكن استثمارها مستقبلاً.

الاحتفاء الجزائري بهذا التعيين يكشف عن أزمة دبلوماسية تعيشها البلاد على مستوى القارة الإفريقية، حيث يبدو أن أي مكسب، حتى لو كان محدود التأثير، يُقدَّم للرأي العام الداخلي باعتباره إنجازًا تاريخيًا. غير أن القراءة العميقة للمشهد تكشف عن تراجع نفوذ الجزائر داخل الاتحاد الإفريقي مقارنة بالسنوات الماضية، حيث لم يعد ملف الصحراء المغربية ورقة ضغط مركزية كما كان عليه الحال قبل خمس أو سبع سنوات.

في مقابل ذلك، عزز المغرب وجوده داخل المنظمة القارية عبر المناصب التي يشغلها مسؤولوه داخل هياكل الاتحاد، بما في ذلك موقع المدير العام للمفوضية، إلى جانب حضور مغربي قوي في مختلف الإدارات الإفريقية. هذا الواقع يعكس التحول الذي طرأ على معادلة النفوذ داخل القارة، حيث باتت الجزائر، التي كانت تهيمن في السابق على العديد من المناصب القيادية داخل الاتحاد الإفريقي، تجد نفسها مضطرة للقبول بمكاسب شكلية لتعويض الإخفاقات المتتالية في الملفات الاستراتيجية.

يبقى أن نتائج هذه الانتخابات لا تعكس بالضرورة ميزان القوى الحقيقي داخل القارة، إذ أن الحسابات السياسية داخل الاتحاد الإفريقي تتأثر بعدة اعتبارات دبلوماسية، بما في ذلك التحالفات الظرفية والمصالح الاقتصادية. غير أن الواضح هو أن الجزائر، رغم فوزها بهذا المنصب، لا تزال تعاني من أزمة تراجع في التأثير داخل القارة، وهو ما يفسر المبالغة في تقديم هذا المكسب كحدث استثنائي، في وقت تشهد فيه الدبلوماسية المغربية صعودًا متزايدًا في الساحة الإفريقية.


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني