وجب التمييز بين تاريخ المفعول وتاريخ استكمال الأقدمية في الدرجة
الدكتور محمد محاسن
ما كنت أود الخوض في موضوع هذا المقال لولا ما لاحظته من خروقات في تعامل الجامعات من خلال المؤسسات التابعة لها مع ملفات الترقي تلحق أنواع متعددة من الحيف بالأساتيذ الباحثين والموظفين على حد سواء.
عديدون هم المعنيون وخاصة منهم الأساتيذ الباحثين الذين أبدوا امتعاضا واضحا مما اعتبروه إقصاء في حقهم من ترقيات 2023، بسبب عدم فهم مصالح الموارد البشرية -داخل مؤسساتهم- لطريقة احتساب الأقدمية وبالتالي انعكاسها على موعد معالجة ملف الترقية.
فإن كنا لا نميل إلى تحميل موظفي تلك المصالح كامل المسؤولية في الخروقات التي نقف عليها كل سنة ، ذلك أن معظمهم للأسف الشديد غير مكونين في التخصص المذكور، وإنما مكلفين بتلك المهمة من بين موظفي المؤسسات الجامعية، يسيرون على نهج وجدوه قائما ولا يملكون صلاحية تغييره من جهة، بل لأن إقراره من قبل مصالح الموارد البشرية على مستوى رئاسة الجامعات يجعل من الخطإ قاعدة يعتبرها هؤلاء الموظفين عين الصواب بل بمثابة قانون راسخ لا يحتمل النقاش.
من أجل، فإننا لن نتوانى عن مؤاخذتهم لعدم محاولتهم الاجتهاد والتنبيه والاستفسار عن أمور نُبهوا من قِبل غيرهم الى عدم صوابها؛ ونرمي باللائمة على مسؤولي الموارد البشرية على مستوى رئاسة الجامعات، لأنهم يعتبرون رؤساء مباشرين للأولين؛ ثم بطبيعة الحال على رؤساء الجامعات ورؤساء المؤسسات الجامعية؛ وقبل كل هؤلاء على الوزارة الوصية بمديريتها المكلفة بالموارد البشرية التي من المفروض أن تنبه إلى كل خطإ أو خلل مسطري يتعلق بالتوظيفات والترقيات وغيرها من الأمور التي تدخل ضمن اختصاصها.
يتعلق الأمر بضرورة التمييز بين تاريخ المفعول وتاريخ استكمال الأقدمية في الدرجة أو الرتبة للموظف.
وجب التنبيه إلى أن الأمر يتعلق بمصطلحين إداريين مختلفين -وإن كانا متلازمين- لا يصح الخلط بينهما :
فتاريخ المفعول يقصد به دخول الترقية حيز التنفيذ وبالتالي فإن مفعولها يبدأ من التاريخ المعتمد من قبل وزارة المالية، وكمثال على ذلك: (إنه في حال التعاقد مع موظف لمدة 3 سنوات تبتدئ من 01 يناير 2020 فإن صلاحية العقد تنتهي في 31 دجنبر 2022 (السنة الأولى من01 يناير 2020 إلى 31 دجنبر 2020 و الثانية من 01 يناير2021 إلى 31 دجنبر 2021 والثالثة من 01 يناير 2022 إلى 31 دجنبر 2022). بمعنى أن بداية مفعول اكتساب وضعية جديدة كل سنة يبقى ثابثا ومحددا عند استيفاء 12 شهرا كاملا وبداية الشهر الموالي وفي المثال هو ” فاتح يناير من كل سنة” على اعتبار ذلك التاريخ هو الدخول والبداية الفعلية للمرحلة الجديدة حيز التنفيذ وليس انتهاء المرحلة السابقة.
أما استكمال الأقدمية فإنما يقصد به إداريا وماليا انتهاء مدة من العمل قد أنجزت فعلا كاملة. وبالتالي وبالرجوع إلى المثال الذي سقناه أعلاه فإن المعني بالأمر يكون قد استكمل أقدمية ثلاث سنوات المحددة في عقدة العمل بتاريخ 31 دجنبر 2022 بتاريخ وليس 01 يناير 2023. فنهابة العقد هي 31 دجنبر 2022؛ حيث إن كلا الطرفين المتعاقدين تحررا من كل التزام يربطهما ما لم يتم تجديد العقد. فلا يصح للمشغل أن ينتظر 01 يناير 2023 أو ما بعده ليسلك مسطرة إنهاء العقدة أو تجديدها؛ كما لا يجوز للموظف الاستمرار في العمل يوم 01 يناير 2023 دون تجديد العقد.
والشيء بالشيء يذكر، إذا كان المشرع في النظام الأساس للأساتيذ الباحثين قد حدد كشرط للترقي في الرتبة “6 سنوات كاملة في الدرجة” من أجل ترشح الأساتيذ الباحثين للترقية إلى الدرجة الموالية، فإنه لم يستعمل ذلك المصطلح اعتباطا، بل لوعية التام بالفرق بين تاريخ المفعول وتاريخ استكمال الأقدمية كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
فإذا أخذنا كمثال حيّ” أستاذا باحثا في الدرجة ج الرتبة 4 + سنتين، حدد تاريخ مفعول ترقيته في 01 يناير 2024″ فإن استكمال 8 سنوات في الدرجة هو 31 دجنبر 2023 وليس 01 يناير 2024، لأن الأول هو تاريخ استكمال الأقدمية والآخِر هو تاريخ بداية مفعول السنة 9 وليس 8.
وعليه فإن التطبيق السليم لمذكرة وزارة التعليم العالي المتعلقة بترقيات 2023 التي أثارت جدلا واسعا وكتبنا بخصوصها عدة مقالات فيما سبق، تقتضي اعتماد تاريخ استكمال الأقدمية 31 دجنبر 2023 بالنسبة للأساتيذ الباحثين المتوفرين على تاريخ مفعول 01 يناير 2024 خصوصا. فاعتماد تاريخ المفعول بدلا من تاريخ اكتساب الأقدمية يعتبر خرقا سافرا للنظام الأساس وللظهير الشريف رقم 62-15-1 صادر في 14 من شعبان 1436 (2 يونيو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية وخاصة المادة الثالثة التي تنص على:
المادة 3
“… تبتدئ السنة المالية في فاتح يناير وتنتهي في 31 ديسمبر من نفس السنة.”
ومعلوم أن الترقيات إنما تخضع لقانون المالية.
إضافة إلى الخروقات السالفة الذكر، فإن ذلك يلحق حيفا بالمعنيين من خلال هضم حقهم في الترشح للأنساق المختلفة من الترقي ومن حق الاستفادة من نظام الكوطا المفروضة على الترقي ومن حق الاستفادة من مقتضيات المراحل الانتقالية في حال وجودها، ناهيك عن الحكم عليهم جورا بانتظار سنة وحتى ثلاث سنوات للحصول على ترقية السنة المعلن عنها أخذا بعين الاعتبار للتأخر الذي يعتري إصدار الوزارة الوصية للمذكرات المتعلقة ب الترقي في الدرجة، وما تتطلبه معالجة الملفات المعروضة من مدد تتراوح ما بين 6 الى 10 شهور دون أن ننكر المحاولات الجادة للوزير الحالي من أجل تدارك التأخير المذكور.
فالنداء موجه إذن إلى رؤساء الجامعات لكي ينبهوا مصالح الموارد البشرية للأمر بصورة مستعجلة، خاصة وأنها في خضم مرحلة دراسة ملفات الترقي برسم سنة 2023، تلافيا للوقوع في الأخطاء السالفة الذكر وتجنبا لإلحاق الضرر بالمعنيين، وسيكون لهم فضل المبادرة في تصحيح ما يعتري المساطر المتبعة حاليا في بعض المؤسسات عن غير قصد بطبيعة الحال وإنما عن عدم معرفة بالأمور. فالجهل بالأمر لا يغير شيئا من حال الحيف وطبيعته والأثر الذي ينجم عنه.
الدكتور محمد محاسن